فصل: قال أبو حيان في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



سمع أبو سفيان هذا الكلام، فذهب إلى قومه فقال لهم: أنتم المقيمون هنا، وليس هذا موطن بني قريظة، وسوف يتركونكم لمواجهة محمد وحدكم، فإنْ أردتم البقاء على عهدهم في محاربة محمد، فاطلبوا منهم رهائن تضمنوا بها مناصرتهم لكم.
بعدها ذهب أبو سفيان ليكلّم بني قريظة في هذه المسألة، فقال: هلك الخفُّ والحافر- يعني: الإبل والخيل- ولسنا بدار مقام لنا، فهيا بنا نناجز محمدًا- هذا بعد أنْ مكثوا نيّفًا وعشرين يومًا يعدون ويتشاورون- فقالوا له: هذا يوم السبت، ولن نفسد ديننا من أجل قتال محمد وعلى كل حال نحن لن نشترك معكم في قتال، إلا أنْ تعطونا عشرة من كبرائكم يكونون رهائن عندنا، ساعتها علم أبو سفيان أن كلام نعيم الأشجعي صدْق، فجمع قومه وقال لهم: الأرض ليست أرض مقام لنا، وقد هلك الخف والحافر، فهيا بنا ننجو.
قالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جاء نعيم بن مسعود، وأخبر رسول الله بما حدث، ووجد رسول الله الجو هادئًا، فقال: «ألا رجل منكم يذهب فيُحدّثنا الآن عنهم، وهو رفيقي في الجنة؟» والمراد: أن يندسَّ بين صفوف الأعداء ليعلم أخبارهم.
ومع هذه البشارة التي بشر بها سيدنا رسول الله مَنْ يؤدي هذه المهمة، لم يَقُمْ من الحاضرين أحد، ودَلَّ هذا على أن الهول ساعتها كان شديدًا، والخطر كان عظيمًا، وكان القوم في حال من الجهد والجوع والخوف، جعلهم يتخاذلون عن القيام، فلم يأنس أحد منهم قوة من نفسه يؤدي بها هذه المهمة.
لذلك كلَّف رسول الله يُدْهي حذيفة بن اليمان بهذه المهمة قال حذيفة: ولكن رسول الله قال لي: لا تُحدث أمرًا حتى ترجع إليَّ، فلما ذهبتُ وتسللتُ ليلًا جلستُ بين القوم، فجاء أبو سفيان بالنبأ من بني قريظة، يريد أنْ يرحل بمَنْ معه، فقال: ليتعرَّف كل واحد منكم على جليسة، مخافة أن يكون بين القوم غريب.
وهنا تظهر لباقة حذيفة وحُسْن تصرفه- قال: فأسرعتُ وقلت لمَنْ على يميني: مَنْ أنت؟ قال: معاوية بن أبي سفيان، وقلت لمَنْ على يساري: مَنْ أنت؟ قال: عمرو بن العاص، وسمعت أبا سفيان يقول للقوم: هلك الخفُّ والحافر، وليستْ الأرض دارَ مقام فهيا بنا، وأنا أولكم، وركب راحلته وهي معقولة من شدة تسرُّعه، قال حذيفة: فهممتُ أن أقتله، فأخرجت قوسي ووترتُها وجعلت السهم في كبدها، لكني تذكرت قول رسول الله «لا تحدثن شيئًا حتى تأتيني» فلم أشأْ أن أقتله، فلما ذهبت إلى رسول الله وجدته يصلي، فلما أحسنَّ بي فَرج بين رجليه- وكان الجو شديد البرودة- فدخلتُ بين رجليه فنثر عليَّ مُرْطه ليدفئني، فلما سلم قال لي: ما خطبك فقصصت عليه قصتي.
وبعد أنْ جند الحق سبحانه كلًا من نعيم الأشجعي وحذيفة لنصرة الحق، جاءت جنود أخرى لم يروْهَا، وكانت هذه الليلة باردة، شديدة الرياح، وهبَّتْ عاصفة اقتلعتْ خيامهم، وكفأتْ قدورهم وشرَّدتهم، ففرَّ مَنْ بقي منهم.
وهذا معنى قوله تعالى: {وَكَانَ الله قَويًّا عَزيزًا} [الأحزاب: 25] {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبّكَ إلاَّ هُوَ} [المدثر: 31].
بعد أنْ ردَّ الحق سبحانه كفار مكة بغيظهم، وكفى المؤمنين القتال أراد أنْ يتحوَّل إلى الجبهة الأخرى، جبهة بني قريظة، فلما رجع رسول الله من الأحزاب لقيه جبريل عليه السلام فقال: أوضعتَ لأْمتَك يا محمد، ولم تضع الملائكة لأمتها للحرب؟ اذهب فانتصر لنفسك من بني قريظة، فقال رسول الله للقوم: «مَنْ كان سامعًا مطيعًا فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة».
فاختلف الصحابة حول هذا الأمر: منهم مَنْ انصاع له حرفيًا، وأسرع إلى بني قريظة ينوي صلاة العصر بها، ومنهم مَنْ خاف أنْ يفوته وقت العصر فصلى ثم ذهب، فلما اجتمعوا عند رسول الله أقرَّ الفريقين، وصوَّب الرأيين.
وكانت هذه المسألة مرجعًا من مراجع الاجتهاد في الفكر الإسلامي، والعصر حَدَثٌ، والحدث له الزمان، وله مكان، فبعض الصحابة نظر إلى الزمان الرأي الشمس توشك أنْ تغيب فصلَّي، وبعضهم نظر إلى المكان فلم يُصَلّ إلا في بني قريظة؛ لذلك أقر رسول الله هذا وهذا.
وينبغي على المسلم أنْ يحذر تأخير الصلاة عن وقتها؛ لأن العصر مثلًا وقته حين يصير ظلُّ كل شيء مثْلَيْه وينتهي بالمغرب، وهذا لا يعني أن تُؤخّر العصر لآخر وقته، صحيح إنْ صليْتَ آخر الوقت لا شيء عليك، لكن مَنْ يضمن لك أن تعيش لآخر الوقت.
إذن أنت لا تأثم إنْ صلّيْت آخر الوقت، تأثم في آخر لحظة من حياتك حين يحضرك الموت وأنت لم تُصَلّ؛ لذلك يقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير الأعمال الصلاة لوقتها» فليس معنى امتداد الوقت إباحة أنْ تُؤخَّر.
وفي مسألة الأحزاب بطولة أخرى لسيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقد ظهرت هذه البطولة عندما وجد الكفار في الخندقة نقطة ضعيفة، استطاعوا أنْ يجترئوا على المسلمين منها، وأن يقذفوا منها خيولهم، فلما قذفوا بخيولهم إلى الناحية الأخرى، فجالت الخيل في السبخة بين الخندق وجبل سلع، ووقف واحد من الكفار وهو عمرو بن ود العامري وهو يؤمئذ أشجع العرب وأقواها حتى عدَّوْه في المعارك بألف فارس.
وقف عمرو بن ود أمام معسكر المسلمين يقول وهو مُشْهر سيفه: مَنْ يبارز؟ فقال علي لرسول الله: أبارزه يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: «اجلس يا علي، إنه عمرو» فأعاد عمرو: أين جَنّتكم التي وعدتم به مَنْ قُتل في هذا السبيل؟ أجيبوني.
فقال علي: أبارزه يا رسول الله؟ قال: اجلس يا علي، إنه عمرو وفي الثالثة قال عمرو:
وَلَقَدْ بُححْتُ من النّداء ** بجمعكُمُ هَلْ منْ مُبَارزْ

وَوقفْتُ إذ جَبُنَ المشجَّعُ ** مٌُوْقفَ القرْن المنَاجزْ

إنَّ الشَّجاعَة في الفَتَى ** والجودَ منْ خير الغرائز

عندها انتفض علي رضي الله عنه وقال: أنا له يا رسول الله، فأَذن له رسول الله، فأشار علي لعمرو، وقال:
لاَ تَعجَلَنَّ فَقَدْ أتَاكَ ** مجيب صوتكَ غير عَاجز

ذُو نية وبَصيرة ** والصّدْقُ مُنجي كُلَّ فَائزْ

إنّي لأَرْجُو أنْ أُقيم ** عَلْيك نَائحةَ الجنَائزْ

منْ ضَرْبةٍ نَجْلاَء ** يَبْقَى ذكْرُهَا عنْدَ الهَزَاهزْ

أي: الحروب.
وكانت لسيدنا رسول الله درع سابغة اسمها ذات الفضول، فألبسها رسول الله عليًا وأعطاه سيفه ذا الفقار وعمامته السحاب، وكانت تسعة أكوار، وخرج علي رضي الله عنه لمبارزة عمرو بن ود، فضرب عمرو الدرقة فشقَّها، فعاجله على بضربة سيف علي عاتقه أردتْهُ قتيلًا، فقال عليٌّ ساعة وقع: الله أكبر سمعه رسول الله فقال: «قُتل عدو الله» ثم حدثت زوبعة العثْيَر- وهو غبار الحرب- فحَجبت المعركة، فذهب سيدنا عمر رضي الله عنه ليرى ما حدث، فوجد عليًا يمسح سيفه في درع عمرو بن ود، فقال: الله أكبر، فقال رسول الله: «قُتل وأَيْم الله».
ومن الأخلاق الكريمة التي سجَّلها سيدنا علي في هذه الحادثة أنه بعد أنْ قتل عَمْرًا سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَلاَ سلبْتَ درْعه، فإنه أفخر درع في العرب»؟ فقال علي: والله لقد بانت سوأته، فاستحييت أنْ أصنع ذلك. ثم أنشد رضي الله عنه وكرم الله وجهه، وهو يشير إلى عمرو:
نَصَر الحجَارةَ من سَفَاهَة رَأْيه ** ونَصَرْتُ ربَّ مُحمدٍ بصَوابي

فصَددْتُ حينَ تركْتُه مُتجدّلًا ** كالجذْع بين دَكَادكَ ورَوَابي

وعَفَفْتُ عن أثْوَابه وَلَو أنّني ** كنتُ المُقَنْطَر بَزَّني أثْوابي

وفي هذه الواقعة قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو لم يكن لك يا علي غيرها في الإسلام لَكَفَتْكَ».
لذلك قال العارفون بالله كأن عليًا رضي الله عنه حُسد حين قتل عمرو بن ود، فأصابته العين في ذاته، فقُتل بسيف ابن ملجم، ومن هنا قالوا: أعزّ ضربة في الإسلام ضربة عليٍّ لعمرو بن ود، وأشأم ضربة في الإسلام ضربة ابن ملجم لعلي.
وفي المعركة بطولة أخرى لسيدنا سعد بن معاذ رضي الله عنه حيث يقول: ضربني يوم الأحزاب حبَّان بن قيس بن العَرقة، وقال: خُذْها وأنا ابن العَرقة- فقلت: عرَّقَ الله وجهك في النار، فلما أصابني في أكحلي- والأكحل هو: العرْق الذي نضع فيه الحقنة، ومنه يخرج دم الفَصْد والحجامة.
فقلت: اللهم إنْ كانت هذه آخر موقعة بيننا وبين قريش فاجعلني شهيدًا، وإنْ كنت تعلم أنهم يعودون فأبقني لأشقي نفسي ممَّنْ أخرج رسول الله وآذاه، ولا تُمتْني حتى أشفى غليلي من بني قريظة.
وقد كان، فبعد أنْ مكث الأحزاب وبنو قريظة قرابة خمسة وعشرين يومًا دون قتال، وانتهى الأمر بالمفاوضات اختار سيدنا رسول الله سعد بن معاذ ليكون حكَمًا في هذه المسألة، فحكم سعد بقتل المقاتلين منهم، وأسر الذراري والنساء والأموال، فلما بلغ هذا الحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لقد حكمتَ فيهم حكم ربك من فوق سبع سماوات».
ثم ثار الجرح على سيدنا سعد حتى مات به، فحملوه إلى خيمة رسول الله بالمسجد، فجاءت الملائكة تقول لرسول الله: مَنْ هذا الذي مات، وقد اهتزَّ له عرش الرحمن؟ قال: «إنه سعد بن معاذ».
وقد قال تعالى: {فَريقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسرُونَ فَريقًا} [الأحزاب: 26].
وفي قوله تعالى: {وَأَرْضًا لَّمْ تَطَئُوهَا} [الأحزاب: 27] بشارة للمسلمين بأن البلاد ستُفتح لهم دون قتال، وهذا حال جمهرة البلاد التي دخلها الإسلام، فغالبية هذه البلاد فُتحَتْ بالأُسوْة السلوكية للمسلمين آنذاك، وبذلك نستطيع أن نردَّ على مَنْ يقول: إن الإسلام انتشر بحدّ السيف.
وإذا كان الإسلام انتشر بحَدّ السيف، فأيُّ سيف حمل المسلمين الأوائل على الإسلام وكانوا من ضعاف القوم لا يستطيعون حتى حماية أنفسهم؟ إذن: لا شيء إلا قدوة السلوك التي حملت كل هؤلاء على الإيمان.
وسبق أن ذكرنا أن عمر- رضي الله عنه- وما أدراك ما عمر قوة وصلابةً يقول حين سمع قول الله تعالى: {سَيُهْزَمُ الجمع وَيُوَلُّونَ الدبر} [القمر: 45].
قال: أيُّ جمع هذا، ونحن لا نستطيع حماية أنفسنا؟ مما يراه من ضعف المسلمين وبطش الكافرين.
ثم لو انتشر الإسلام بالسيف لأصبح سكان البلاد التي دخلها الإسلام كلهم مسلمين، ولَمَا كانت للجزية وجود في الفقه الإسلامي، إذن: بقاء الجزية على مَنْ لم يؤمن دليل على بطلان هذه المقولة، ودليل على عدم الإكراه في الدين، فالفتح الإسلامي كفل حرية العقيدة {فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] وعليه الجزية لبيت مال المسلمين مقابل ما تقدمه الدولية إليه من خدمات.
فالجزية التي تتخذونها سُبة في الإسلام دليل على أن الإسلام أقرَّكم على دينكم، إنما حَمْل السيف كان فقط لحماية الاختيار في الدعوة، فأنا سأعرض الإسلام على الناس، ومن حقي أنْ أقاتل مَنْ يعارضني بالسلاح، من حقي أن أعرض الإسلام كمبدأ، فمَنْ آمن به فعلى العين والرأس، ومَنْ لم يؤمن فليَبْقَ في ذمتنا. اهـ.

.قال أبو حيان في الآيات السابقة:

{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُول اللَّه أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}.
الظاهر أن الخطاب في قوله: {لقد كان لكم} للمؤمنين، لقوله قبل: {ولو كانوا فيكم} وقوله بعد: {لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر}.
والمعنى: أنه، صلى الله عليه وسلم، لكم فيه الاقتداء.
فكما نصركم ووازركم حتى قاتل بنفسه عدوكم، فكسرت رباعيته الكريمة، وشج وجهه الكريم، وقتل عمر، وأوذي ضروبًا من الإيذاء؛ يجب عليكم أن تنصروه وتوازروه، ولا ترغبوا بأنفسكم عن نفسه، ولا عن مكان هو فيه، وتبذلوا أنفسكم دونه؛ فما حصل لكم من الهداية للإسلام أعظم من كل ما تفعلونه معه، صلى الله عليه وسلم، من النصرة والجهاد في سبيل الله، ويبعد قول من قال: إن خطاب للمنافقين.
{واليوم الآخر} يوم القيامة.
وقيل: يوم السياق.
و{أسوة} اسم كان، و{لكم} الخبر، ويتعلق {في رسول الله} بما يتعلق به {لكم} أو يكون في موضع الحال، لأنه لو تأخر جاز أن يكون نعتًا بعد لأسوة، أو يتعلق بكان على مذهب من أجاز في كان وأخواتها الناقصة أن تعمل في الظرف والمجرور، ويجوز أن يكون {في رسول الله} الخبر، ولكم تبيين، أي لكم، أعني: {لمن كان يرجوا الله}.
قال الزمخشري: بدل من لكم، كقوله: {للذين استضعفوا لمن آمن منهم} انتهى.
ولا يجوز على مذهب جمهور البصريين أن يبدل من ضمير المتكلم، ولا من ضمير المخاطب، اسم ظاهر في بدل الشيء من الشيء وهما لعين واحدة، وأجاز ذلك الكوفيون والأخفش، ويدل عليه قول الشاعر:
بكم قريش كفينا كل معضلة ** وأمّ نهج الهدى من كان ضليلًا

وقرأ الجمهور: إسوة بكسر الهمزة؛ وعاصم بضمها.
والرجاء: بمعنى الأمل أو الخوف.
وقرن الرجاء بذكر الله، والمؤتسي برسول الله، هو الذي يكون راجيًا ذاكرًا.
ولما بين تعالى المنافقين وقولهم: {ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورًا} بين حال المؤمنين، وقولهم صدَّ ما قال المنافقون.
وكان الله وعدهم أن يزلزلهم حتى يستنصروه في قوله: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة} الآية.
فلما جاء الأحزاب، ونهض بهم للقتال، واضطربوا، {قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله} وأيقنوا بالجنة والنصر.
وعن ابن عباس، قال النبي صلى الله عليه وسلم، لأصحابه: «إن الأحزاب سائرون إليكم تسعًا أو عشرًا» أي في آخر تسع ليال أو عشر.
فلما رأوهم قد أقبلوا للميعاد قالوا ذلك.
وقيل: الوعد هو ما جاء في الآية مما وعده عليه السلام حين أمر بحفر الخندق، فإنه أعلمهم بأنهم يحضرون، وأمرهم بالاستعداد لذلك، وأعلمهم أنهم سينصرون بعد ذلك.
فلما رأوا الأحزاب قالوا ذلك، فسلموا الأول الأمر، وانتظروا آخره.
وهذا إشارة إلى الخطب، إيمانًا بالله وبما أخبر به الرسول مما لم يقع، كقولك: فتح مكة وفارس والروم، فالزيادة فيما يؤمن، لا في نفس الإيمان.
وقرأ ابن أبي عبلة: وما زادوهم، بالواو، وضمير الجمع يعود على الأحزاب، وتقول: صدقت زيدًا الحديث، وصدقت زيدًا في الحديث.
وقد عدت صدق هذه في ما يتعدى بحرف الجر، وأصله ذلك، ثم يتسع فيه فيحذف الحرف ويصل الفعل إليه بنفسه، ومنه قولهم في المثل: صدقني سن بكره، أي في سن بكره.